مستحيل يخطر في بالك الحيلة الذكية وراء اغنى رجل في العالم وأشهرهم الذي كأن ينظف الحمامات وأصبح اليوم مالك لأكبر الشركات حول العالم.. شاهد من يكون؟

مستحيل يخطر في بالك الحيلة الذكية وراء اغنى رجل في العالم وأشهرهم الذي كأن ينظف الحمامات وأصبح اليوم مالك لأكبر الشركات حول العالم.. شاهد من يكون؟

27 نوفمبر 2022 | 05:35 ص


لماذا يتوجب علينا كسر الصنم الأكبر الذي يعبده المتخلفون؟!  في واحدة من استرجاعاته في كتاب سيرته ( الحياة كما عشتُها) يقول الراحل الكبير الأستاذ علوان سعيد الشيباني:
  قررت مؤسسة الخير للتنمية الاجتماعية في 2014 تدريب 180 شابا وشابة من مناطق نائية في محافظات مأرب وشبوة والجوف على دفعات، بهدف إعادة تأهيلهم كفاعلين مجتمعيين في مناطقهم البدوية.   التقيت بهم أول مرة في لقاء تعارف، واثناء الحديث انبرى أحد الشبان من مأرب وقال: ماذا تريد منا يا استاذ؟! قلت: لا شيء. قال: كيف لا شيء؟! حتى الله سبحانه وتعالى قال: وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون!! قلت: ممتاز اذن، تعال لنتحاور... لا انا شخصيا ولا المؤسسة نريد شيئا منكم ... مناطقكم هي التي تريد منكم الكثير، والكثير جدا، فتدريبكم وتأهيلكم سيعود بالنفع عليكم وعليها وعلى المجتمع برمته.

اقتنع بكلامي وجلس، فبدأت اسألهم: 
ـ من منكم يريد العمل كسائق؟!  الكثير منهم رفعوا أيديهم. ـ من الذي يريد منكم العمل كحارس؟ رفع عدد منهم ايديهم. ـ من منكم يريد العمل ككهربائي؟ قليل منهم من رفع يديه. ـ طيب ومن منكم يريد العمل كسباك؟ ولا أحد رفع يديه!!  فسألتهم: لماذا لا تريدون العمل كسباكين وعمال تمديدات صحية؟
قالوا: هذا عيب! قلت لهم: هذه مهنة من المهن التي تدر دخولاً مرتفعة، والطلب عليها في ازدياد. قالوا: هذه مهنة حمامات ومطاهر، وفي سالفنا عيب العمل بها! قلت لهم: هل تعرفون اني حينما كنت طالبا في امريكا، وكان علي دفع رسوم الدراسة بانتظام، كنت اعمل في مطعم فندق انظِّف الاطباق، وحمامات النساء، وامسح احذية النزلاء مقابل القليل من المال، الذي يعينني على مواصلة التعليم في الغربة، وها انا ذا بينكم فما الذي نقص مني؟   العمل الشريف ليس عيبا، وعلينا اذا اردنا ان نخلق تحولا ايجابيا في المجتمع ان نكسر الصنم الاكبر، الذي يعبده المتخلفون وهو العيب.


  وبعد ان انهت المؤسسة تدريبهم، أردنا تنظيم حفل بسيط لتوزيع الشهادات والقاء الكلمات وما شابه ذلك، فأرسلت مديرة مكتبي للجلوس معهم لترتيب البرنامج. وبعد ساعة اتصلت بي منزعجة جدا، وتشكو من صعوبة التعامل معهم، فقلت لها: انا سآتي شخصيا للجلوس معهم. وحينما وصلت إليهم وهم في لحظة توتر قصوى، سألتهم عن المشكلة؟ قالوا: باختصار لا نريد فتاة تلقي كلمة المتخرجين، ولا نريد للفتيات الجلوس في الكراسي المتقدمة والصفوف الامامية. قلت لهم: هذه ليست مشكلة تعالوا نتناقش. وحين انتظم الحديث، قلت: اريد أن اسأل سؤلاً؟ الملكة بلقيس الحبشية حينما ار.... لم انهِ العبارة الا وهم يصيحون: بلقيس يمنية وليست حبشية يا استاذ!! قلت حبشية والا يمنية؟ قالوا يمنية، ومن مأرب، ومن مارب ايضاً، طيب كويس انكم تعون التاريخ، فهذه الملكة كانت تحكم بلادا غنية وكل مستشاريها من الرجال ولا تقطع امرا حتي يشهدون عليه؟ فما الضير ان تلقي واحدة من حفيداتها المعاصرات كلمة الخريجين والخريجات. سكتوا قليلا ثم قالوا موافقين.


قلت: هذه النقطة الاولى التي صنعتم منها مشكلة. لنأتِ للنقطة الخلافية الثانية: لماذا لا تريدون للمتخرجات الجلوس في الصفوف الامامية؟! قالوا هذ عيب، فالمرأة لا تجلس امام الرجل!! قلت انا اعرف، في سوالفنا، ان الرجل دائما يجعل المرأة امامه ليحميها من اي اعتداء، فاذا تركها خلفه فقد يأتي أحدهم من الخلف ويختطفها او يلحق بها الأذى. هنا ضجت الصالة بتصفيق الفتيات. فقام أكثر الشبان عنادا ورمى امامي بشاله وقال "بجاه الله خلاص نحن موافقين".


  وفي صبيحة الاحتفال، القت أنبه المتدربات كلمة الخريجين، بعد ان قعدت كل الفتيات في الصفوف الاولى.   بعدها بأشهر، قامت المؤسسة بحملة نظافة تطوعية في مدينة مأرب شارك بها الجميع، وهناك رأيت ذات الشاب الذي سألني: ماذا اريد؟ والذي اعترض على جلوس الفتيات في المقدمة وعارض ان تلقي احداهن كلمة المتخرجين، رأيته وهو يضع مكناس النظافة على كتفه، ويمشي مختالا كأنه في عرض عسكري. هنا فقط خاتلت عيني دمعة ساخنة وتنهيدة مكتومة. 


  اليوم، العديد من اولئك المتدربين يرأسون منظمات اجتماعية وخيرية وحقوقية، تساهم في التنمية المجتمعية في البيئات الفقيرة والقاسية التي جاؤوا منها. كتبه/ محمد عبد الوهاب الشيباني

مقالات متعلقة عرض الكل